المتابعون

2012/10/21

كتـاب الثـقـــات للحافظ العجلي ( ت261هـ )


-1-
كتـاب الثـقـــات

للحافظ العجلي ( ت261هـ )

كتاب الثقات
1- تسمية الكتاب :
   سمّى السبكي رحمه الله تعالى المنقول عن الإمام العجلي في الكلام على الثقات         باسم : "معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث ومن الضعفاء ، وذكر مذاهبهم وأخبارهم (1) " ،
 وسمّاه العلماء ( كتاب الثقات ) على سبيل الاختصار منهم الحافظان ابن حجر والسخاوي (2) .

2- مؤلف الكتاب ، ومرتِّبَاه :
* ترجمة الإمام العجلي رحمه الله تعالى :
اسمه ونسبه : هو الإمام أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي، نزيل أطرابلس المغرب (3).
مولده : ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة بالكوفة (4) .
تزكية العلماء له :
1- قال ابن معين وقد سمع منه : ثقة ، ابن ثقة ، ابن ثقة .
2- قال عباس الدوري : كنا نعده مثل أحمد بن حنبل ، ويحي بن معين (3) .
3- وقال الذهبي : " الإمام ، الحافظ ، القدوة " (4) .
تصنيفه في أئمة الجرح والتعديل : العجلي إمام من أئمة الجرح والتعديل ، ومعدود في كبار المحدثين .
ذكره الإمامان الذهبي والسخاوي ضمن من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (5) لكنه     رحمه الله تعالى يتساهل في توثيق المجاهيل من القدماء كما ذكره ذهبيا العصر : المعلمي والألباني (6) .
من أشهر مؤلفاته : لايعرف للإمام العجلي من المصنفات غير ما وصل إلينا من كتابه ( الثقات ) ، وقد وصفه  العلماء تارة بكتاب ( الجرح والتعديل ) ، وأخرى بكتاب ( التاريخ ) (1) .
وفاته : توفي العجلي سنة إحدى وستين ومائتين ، بأطرابلس المغرب ، وقبره بها على الساحل (2) .
دراسات عن المؤلف :
لم أقف على دراسات عن المؤلف أو عن كتابه الثقات سوى ما كتبه محقق الكتاب ترتيب الثقات الشيخ عبد العليم بن عبد العظيم البستوي في مقدمة الكتاب (3) .

* ترجمة الإمام السبكي رحمه الله تعالى :
اسمه ونسبه : هو الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الشافعي .
مولده : ولد بُسْبك بضم أوله ، وسكون ثانيه - (4) في مصر سنة ثلاث وثمانين وستمائة .
وفاته : توفي ليلة الاثنين ، ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة ، بالقاهرة ، ودفن بباب النصر (9).
*   ترجمة الإمام الهيثمي رحمه الله تعالى :
اسمه ونسبه : هو الإمام الحافظ أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (1) .
مولده : ولد بالقاهرة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة .
وفاته : توفي رحمه الله تعالى تاسع عشرى رمضان سنة ( 807هـ ) (6) .
دراسات عنه : التعريف بالرواة الذين سكت عنهم الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد مريم حسن فهيد القحطاني (7) .

4- موضوع الكتاب ، وأهميته :
   الكتاب مجموع ومؤلف في الرواة " الثقات " على عنوان ترتيبه ، وكما صرّح بذلك الحفاظ ومنهم الهيثمي أحد المرتبين للكتاب (1) لم يكتب العجلي كتاب الثقات بيده ولم يقصده ، وإنما هي فوائد من مسموعات ابنه صالح اجتمعت لديه مما سمعه منه أو سأله عنه ، أو أملاه أبوه عليه ، علق ذلك كله صالح أيام شبابه منثوراً غير مرتب ولا مهذب.
وكان تاريخ ذلك الإملاء سنة ست وخمسين ومائتين أي قبل خمس سنوات من وفاته كما ذكر ذلك السبكي في مقدمته (2) .
وكتاب ثقات العجلي أول ما ألف في الثقات (3) .

منهج المؤلف :
1- لم يرتب العجلي كتابه على منهج معين .
2- يذكر اسم الراوي واسم أبيه في الغالب ونسبه ونسبته وكنيته ولقبه .
3- يذكر العجلي رحمه الله تعالى ترجمة مختصرة للراوي .
4- يبين طبقة الراوي إذا كان من الصحابة أو التابعين أو غيرهما .
5- قد يشير المؤلف إلى بعض مزايا الراوي العلمية ، وربما ذكر عقيدته .
6- رمى العلماء العجلي بالتساهل وذلك من وجهين :
  1- توثيق المجاهيل .
  2- إعطاء الرواة درجات فوق ما يستحقونه .
قال عبد الرحمن بن يحي المعلمي : " . . والعجلي قريب منه [ يعني ابن حبان ] في توثيق المجاهيل من القدماء وكذلك ابن سعد ، وابن معين ، والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة ؛ بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد ، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد " (1) وقال  أيضاً : " توثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع " (2) .
وقال محمد ناصر الدين الألباني : " العجلي معروف بالتساهل في التوثيق كابن حبان تماماً . فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم . . " (3) .
وقال عبد العليم عبد العظيم البستوي : " وقد تبين لي بعد دراسة تراجم كثيرة من الرواة أن الإمام العجلي كثيراً ما يتفق مع ابن حبان في توثيق أناس ذكرهم أبو حاتم وغيره في   المجاهيل ، أو سكتوا عليه ويجزم العجلي بتوثيقهم ، ولكنه أي العجلي يختلف عن ابن حبان في أن ابن حبان يتشدد أو يتعنت في الجرح بخلاف العجلي فإنه يتسامح مع الضعفاء أيضاً فيعطيهم مرتبة أعلى مما هم فيه عند النقاد الآخرين " (4) .
6- نسخ الكتاب وطبعه وتحقيقه :
   وصلتنا قطعة من كتاب العجلي ، وهي موجودة بمكتبة أحد علماء الباكستان ، وقد ذكر المعلمي أن للكتاب نسخة بالمكتبة الآصفية بحيدر آباد (5) ، فلعل النسخة الباكستانية منقولة عنها ، ولترتيب السبكي نسخة خطية وهي نسخة المدرسة الأحمدية بحلب ، ولترتيب الهيثمي نسخة خطية وهي نسخة شهيد علي باشا بتركيا (6) وقد طبع كتاب ثقات العجلي مرتين:  أولاهما بترتيب الهيثمي حققه عبد المعطي قلعجي ، طبعته دار الباز ، عام1405هـ ، الطبعة الأولى .
والأخرى طبعة ( كاملة ) محققة تحقيقاً علمياً جيداً بترتيـبي الهيثمي والسبكي دراسة وتحقيق عبد العليم البستوي ، طبعته مكتبة الدار بالمدينة النبوية ، عام1405هـ أيضاً ، وقدم المحقق للكتاب بدراسة موسعة عن الإمام العجلي .

7- أمثلة من الكتاب :
أ / أمثلة لبيان منهج العجلي في الكلام على الرواة الثقات :
 1- سعيد بن أبي خلف ، ثقة .
 2- سعيد بن ذي لعوة ، كوفي ثقة ، والبغداديون يضعفونه .
 3- سعيد بن الربيع ، أبو زيد الهروي ، بصري ثقة .
 4- سعيد بن زياد الشيباني ، كوفي ثقة (1) .
ب / أمثلة لتساهل العجلي بتوثيق المجاهيل :
 1- سُليم بن عبد السلولي . روى عن حذيفة رضي الله عنه ، روى عنه أبو إسحاق السبيعي .
قال الشافعي : سألت عنه أهل العلم بالحديث فقيل لي إنه مجهول .
قال العجلي : كوفي ، تابعي ، ثقة (2) .
 2- سعيد بن ذي لعوة .
روى عنه الشعبي وأبو إسحاق .
حكم علي بن المديني ، والبخاري ، وأبو حاتم : بجهالته .
وقال ابن حبان : شيخ دجال .
قال العجلي : كوفي ثقة (3) .
 3- شعبة الشعباني .
تفرد عنه ابنه سليط .
قال أبو حاتم ، والذهبي : مجهول .
وقال العجلي : ثقة (1) .
 4- الفضل بن المؤتمر أو المؤتمن العتكي .
روى عن أبي الحلال ، روى عنه حماد بن زيد ، ومهلب بن بكر .
قال أبو حاتم : مجهول .
وقال العجلي : بصري ثقة (2) .
جـ / أمثلة لتساهل العجلي بإعطاء عدد من الرواة في التعديل أو التجريح رتباً فوق ما يستحقونه :
( أولاً ) أمثلة لتوثيقه مَن درجته " صدوق " :
1- أحمد بن سعيد الهمْداني . ثقة .
قال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن حجر : صدوق (3) .
2- أبان بن صمعة . ثقة .
قال أحمد : صالح .
وقال ابن حجر : صدوق ، تغير آخراً (4) .
3- جعفر بن بُرقان . جزري . ثقة (5) .
قال ابن معين ، وابن سعد ، وابن حجر : " صدوق " .
وقال الإمام أحمد : يخطئ في حديث الزهري (1) .
د / أمثلة لإطلاق العجلي لفظتي " ثقة " أو " لا بأس به " على من هو " ضعيف " .
1- إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، حجازي ، ثقة (2)
" ضعفه " الترمذي ، والنسائي (3) .
2- باذام أبو صالح . " ثقة " . مولى أم هانئ (4) .
" ضعفه " البخاري (5) .
وقال ابن حجر : " ضعيف ، مدلس " (6) .
3- بكير بن عامر البجلي الكوفي .
قال العجلي : " لا بأس به " (7) .
و " ضعفه " ابن معين ، والنسائي (8).
والحافظ ابن حجر (9) .
هـ / أمثلة لإطلاق العجلي لفظة " ضعيف " على من هو " ضعيف جداً " فمن دون:
1- الحارث بن نبهان الجرمي .
قال العجلي : " ضعيف الحديث " (10) .
وقال أبو حاتم ، والنسائي ، وابن حجر : " متروك " (11) .
2- داود بن الزِّبرقان الرقاشي .
قال العجلي : " ضعيف الحديث " (1) .
" كذبه " الأزدي ، والجوزجاني (2) .
وقال ابن حجر : " متروك " (3) .
3- محمد بن عبيد الله العرزمي .
قال العجلي : " ضعيف الحديث " (4) .
وقال الفلاس ، وابن حجر : " متروك " (5) .
8- المقارنة بين الكتاب وبين غيره من الكتب التي لها علاقة به :
   ثمت كتابان وثيقا الصلة بكتاب الثقات للعجلي وهما : ترتيب السبكي ، وترتيب الهيثمي ، وتوجد زيادات لدى الحافظ ابن حجر على ترتيبـي الإمامين المذكورين ، بيّن محقق الكتاب عبد العليم البستوي أنه اختار ترتيب الهيثمي فجعله أصلاً لثلاثة أسباب :
1- دقة الهيثمي في ترتيب كلام العجلي وإتقانه في ذلك .
2- لأنه أقرب إلى الصحة .
ولعله يريد أن انتقاء الهيثمي أقرب ما يكون لما يصح من كلام الإمام العجلي .
3- أكثر استيعاباً لتراجم كتاب العجلي (6).
وقد بين فضيلة المحقق أيضاً أنه تتبع كتاب تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر فوجد به نقولاً عن العجلي لا ذكر لها في ترتيـبي الإمامين المذكورين فضمنها تحقيقه للكتاب ، وقد بلغ عدد التراجم المزيدة لدى ابن حجر أكثر من مائتين وسبعين ترجمة ، ثم خلص الباحث إلى النتيجة التالية في تعليل وجود هذه الزيادات فقال : " هذا التفاوت في التراجم يدل على أن ابن حجر لم يعتمد على أي من ترتيبـي الهيثمي أو السبكي بل إنه استفاد من الأصل المروي عن العجلي " (1).


(1) كما جزم بذلك محقق الثقات بترتيب الهيثمي والسبكي عبد العليم البستوي ( 1/62-70 ) .
(6) ذيل طبقات الحفاظ ( ص707 ) .
(3) لحظ الألحاظ ( ص240 ) . وقد طبع الكتاب بمركز خدمة السنة بالجامعة الإسلامية عام1413هـ ، بتحقيق د. حسين أحمد الباكري ( 1-2 ) .
(1) معرفة الثقات ( 1/424 ) ، والجرح والتعديل ( 4/286 ) .
(6) التقريب ( ص163 ) .

2011/03/11

ترجمة موجزة للشيخ عبدالحميد بن باديس رحمه الله

اسمه: عبد الحميد بن محمّد بن المصطفى بن مكّي ابن باديس.
مولده: سنة  1308ﻫ/1889م بقسنطينة.
مكانته العلمية: إمام مصلح مجدّد.
رحلاته العلمية: التحق بجامع الزيتونة بتونس، ثمّ ارتحل إلى أرض الحجاز مؤديا لفريضة الحج ومن ثَمَّ التقى بجماعة العلماء والمفكِّرين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
من شيوخه:
- الشيخ "محمّد المَدَّاسي"، حفظ القرآن الكريم على يده.
- الشيخ "حَمدان لُونيسي"، أخذ عنه مبادئ العربية ومبادئ الإسلام.
- الشيخ "محمَّد النّخلي القَيْرَوَانِي" والشيخ: "محمَّد الطاهر بن عاشور".
المناصب التي تولاها:
- التدريس والخطابة.
- رئيس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر.
من مؤلفاته:
- العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
- مبادئ الأصول.
وفاته: 8 ربيع الأوّل 1359 ﻫ / 16 أفريل 1940م ودفن بقسنطينة.

2010/05/01

شريط أدوات Google مثبت

الوزير يدخل النار



مقال من جريدة المصريون 3 ابريل 2008 للأستاذ ثروت الخرباوي

لا تفوتكم فكم فيها من عبر



هذه قصة حقيقية مازال بطلها على قيد الحياة، وقد استأذنته في كتابتها فأذن لي بذلك بشرط عدم ذكر اسمه، ولا أخفيك سراً أنني عندما استمعت لهذه القصة كنت بين مكذب ومصدق، إلا أن الدموع التي انهمرت من عين بطلها وهو يرويها، وبدني الذي اقشعر من هول ما سمعت جعلا صدق الرجل عندي لا مراء فيه.



وبطلنا وزير سابق في وزارة سيادية ، كانت سطوته وقسوته مضرب الأمثال ، وقد خرج من الوزارة عقب أزمة سياسية طاحنة مرت بالبلاد ، ولم يكن من المقدّر لي أن ألتقي بهذا الوزير السابق لولا أن صديقاً لي أشترى منه قطعة أرض ، وبحكم الصداقة طلب مني صديقي أن أتحقق من الملكية وأحرر عقد البيع ، وعندما أنجزت المهمة الموكلة إلىّ حانت لحظة التوقيع على العقد الابتدائي فطلبت من صديقي اصطحاب الوزير السابق إلى مكتبي حتى يقوم بالتوقيع باعتباره بائع الأرض ، إلا أن صديقي زم شفتيه وزوى حاجبيه وقال بلا مبالاة مصطنعة ... الرجل بلغ من الكبر عتياً .... وقد لا تساعده صحته على الحضور إلى مكتبك، خاصة وأن مكتبك في مصر الجديدة وهو يقيم في الضفة الأخرى من المدينة، فهل يضيرك أن ننتقل نحن إليه ؟... وثق أنه لن يضيع من وقتك الكثير، ففي دقائق سنكون في الفندق الأثير للرجل وهو فندق نصف مشهور في أطراف الجيزة في منطقة هادئة ، وقد اعتاد الوزير السابق ارتشاف فنجان قهوته صباح كل يوم في الركن الشرقي بهذا الفندق ، وحسبك يا أخي أنك ستلتقي بوزير كانت الدنيا تقوم ولا تقعد من أجله ، بل إن كل وزراء مصر في وقته كانوا يتمنون رضاه ... وعلى مضض وافقت إذ لم يكن من المألوف في عملي أن ألتقي بالعملاء خارج المكتب ، وفى اليوم التالي كانت السيارة تنهب الأرض نهباً في طريقها إلى الجيزة ، وكانت قطرات المطر تنساب على زجاج السيارة الأمامي برتابة مملة ، في الوقت الذي ظل صديقي فيه يتحدث بلا توقف وبرتابة مملة أيضاً إلا أنني تشاغلت عنه بمراجعة الأوراق والعقود.



ومن بعيد رأيت الرجل ... يا الله ... أهذا هو من ارتعدت فرائص مصر من بطشه وجبروته ؟ !! أهذا هو من ألقى العشرات في السجون وبغى وتجبر ...؟!! ها هو يجلس وحيداً في ركن منزوٍ وقد خط الزمن بريشته خطوطاً متقاطعة على وجهه، وفعل الأفاعيل في تقاطيعه فتهدل حاجباه وتدلت شفتاه وبدا طاعناً في السن وكأنه جاء من زمن أهل الكهف.



وعلى الطاولة وبعد همهمات وسلامات قدمت الأوراق إلى الرجل وأعطيته قلمي كي يوقع على العقد ، إلا أنه أخرج قلماً من معطف كان يضعه على كرسي قريب منه ثم خلع قفازه ، وارتدى نظارة القراءة وسألني بابتسامة باهتة ... أوقع فين يا أستاذ؟ فأشرت له إلى خانة في الصفحة الأخيرة ، وأمسكتها له كي أساعده ، وفى اللحظة التي قام فيها الرجل بالتوقيع على العقد جفلت يدي رغماً عني ، فوقعت الورقة مني ، إذ وقعت عيناي على ظهر يد الرجل اليمنى فرأيت بقعة مستديرة ملتهبة في جلده يتراوح لونها بين الاحمرار والاصفرار وكأنها سُلخت على مهل ، والغريب أنني شممت رائحة شواء تنبعث من هذه البقعة وكأنها ما زالت تشوى على النار !!! ويبدو أن الوزير السابق تنبه لحالة الارتباك التي أصابتني ، وتوقعت أن يهب ثائراً متبرماً ، إلا أنه وعلى عكس ما توقعت نظر إلىّ نظرة حانية هادئة وكأنه أبي ، وإذا بملامح طيبة ترتسم على وجهه بلا افتعال، ملامح لا علاقة لها بالوزير المتغطرس الباطش المستبد ، وكأن ملامحه الطيبة هذه تدل على رجل من أهل الله ، وبيد مرتعشة تفوح منها رائحة الشواء قدم لي الوزير العقد قائلاً : أتفضل يا أستاذ ، ثم ألتفت لصديقي قائلاً : مبارك على الأرض .... إتفضلوا أكملوا الشاي.



ومع الرشفة الأخيرة وبعد عبارات التهنئة جمعت كل ما أملك من قوة وقلت له سلامة يدك يا معالي الباشا، شفاك الله وعافاك... خير إن شاء الله .... يبدو أن شيئاً ما أصاب يدك قبل حضورنا فشكلها ملتهب جداً.... ولم يرد الرجل إلا بتمتمة غير مفهومة، إلا أنه نظر في الفراغ الذي أمامه نظرة أسى وحزن وكأنه أتعس رجل في العالم.



ومرت أيام وشهور على هذه الواقعة وظلت نظرة الرجل التعيسة ويده المحترقة التي تفوح منها رائحة الشواء لا تغادر خيالي... إلا أنه لأن كل شيء يُنّسى مع مرور الأيام انزوت هذه الواقعة في ركن خلفي من ذاكرتي وسرعان ما تناسيت الرجل وتناسيت يده المشوية.



ومر عامان إلا بضعة أشهر وجاء موسم انتخابات نقابة المحامين ، وتزاحمت علىَّ الأحداث ذلك أن أحد أصدقائي رشح نفسه لمنصب النقيب وكانت ضريبة الصداقة والوفاء توجب علىّ الوقوف بجانبه عن طريق جلب الأنصار وتحييد الخصوم ، وحدث أن واعدني أحد الأصدقاء لمقابلة بعض الأنصار في نفس الفندق الذي التقيت فيه بالوزير السابق وقبل الموعد المضروب كنت أجلس في نفس الركن الشرقي ارتشف فنجان القهوة المضبوط ، وأمسح حبات العرق التي سالت على جبيني من فرط حرارة الجو ، وإذا برجل طاعن في السن يتوكأ على عصاه ، ويتوجه على مهل إلى طاولة في أقصى المكان .... منفرداً .... منزوياً ... نعم كان هو الوزير السابق صاحب اليد الحمراء المشوية.



وبعد أن جلس واستوى على مقعده حانت منه التفاتة إلى الطاولة التي أجلس عليها , ثم إذا ببصره يعود ويستقر عندي للحظات ، وكان أن تبادلنا الابتسامات والإيماءات ، ولغير سبب واضح قمت من مقعدي وتقدمت للوزير السابق محيياً مذكراً إياه بنفسي ، وبنفس الملامح الطيبة التي رأيتها عليه من قبل دعاني للجلوس ، وبعد التحيات والسؤال عن الصحة والكلام عن الجو الحار والزحام وقعت عيناي رغماً عنى على يده فوجدته – ويالعجبي – يرتدي قفازه الأسود !! – رغم حرارة الجو – فقلت بغير دبلوماسية وبعبارات فجة متطفلة لا أعرف كيف خرجت مني... كيف حال يدك يا معالي الباشا ... أشفيت إن شاء الله ... حرق هو أليس كذلك؟ ... وبكلمات بطيئة متلعثمة وجلة قال ... نعم حرق ولكن ليس كأي حرق ... إيه ربنا يستر.



ولدهشتي استرسل الوزير السابق في حديثه وكأنه يحدث نفسه ... طبعاً انت عارف ماذا كان موقعي في الدولة ، كنت الآمر الناهي وكان الجميع يخطب ودي تصورت أنني أعز من أشاء وأذل من أشاء وتصورت أن المنصب سيدوم لي أبد الآبدين لم أفكر في يوم من الأيام أن هناك خالقا وأن هناك حسابا ، فحبست وعذبت وخربت بيوت بغير حق بل وأحياناً دون سبب ... وجاء يوم وليته ما جاء كنت عائداً إلى بيتي تحيطني سيارات الحراسة من كل جانب ، ولسوء طالعي وقع بصري على كشك قابع في جانب من الطريق فاستقبحت منظره ، وفى اليوم التالي أصدرت قراراً بإزالة الكشك وفي غضون دقائق معدودة بعد صدور القرار قامت قوات وجحافل بإزالة الكشك حتى لا يقع عليه بصري وأنا عائد إلى بيتي ، لا تسألني عن صاحب الكشك ولا عن حقوق الإنسان فوقتها لم يشغل هذا الأمر تفكيري ولو للحظة ، وقطع الوزير كلامه قائلاً: تشرب شاي لا زم والله... وقبل أن أرد عاد إلى حديثه دون أن ينتظر إجابتي ... وأثناء عودتي نظرت إلى مكان الكشك فوجدت رجلاً متهالكاً يجلس على الأرض ومعه امرأة متشحة بالسواد وأطفال حفاة أقرب إلى العراة ، وعندما اقترب الموكب من المكان تمهل الركب لغير سبب وكأننا مجموعة من الحجاج يطوفون حول بقعة قدسية ، فإذا بالرجل الجالس يهب واقفاً قائلاً بأعلى صوته يا فلان إتق الله.. اتق الله.



وضايقتني العبارات أشد المضايقة فسألت أحد اللواءات الذين كانوا يرافقونني من هذا؟ فقال لي: إنه صاحب الكشك ... ولم أنتظر لليوم التالي بل وأنا في سيارتي أصدرت قراراً باعتقال صاحب الكشك ثم اتصلت تليفونياً ببعض أعواني وأمرتهم بتأديب الرجل... ومرة أخرى قطع الوزير كلامه قائلاً: الله ...ألم تطلب شاي لازم والله ... ثم وبنفس الاسترسال ودون انتظار الإجابة استمر قائلاً ... أرقتني عبارة الرجل إتق الله كانت صادقة وقوية ومجلجلة ، لم أتعود أن يقولها أحد لي من قبل ، هل تصدق أنني عندما ذهبت إلى بيتي تحدثت مع قريب لي في كلية دار العلوم حتى يشرح لي معنى كلمة "اتق الله" لا أعرف لماذا توقفت هذه الكلمة عند أذني وتجاوزت سمعي إلى داخل أحشائي فإذا بألم شديد يمزق معدتي ... ومع بعض المسكنات والمهدئات حاولت أن أنام ولم أستطع وفى اليوم التالي رأيت في ذات المكان إمرة صاحب الكشك وهى متشحة بسوادها ومعها أطفالها العراة ، وإذا بصوتها هي الأخرى يعلوا مجلجلاً يا فلان اتق الله ، وفى بيتي لاحظت زوجتي أرقي فهدأت من روعي وقالت لي: لا تخش شيئاً أنت من أهل الجنة خدماتك على البلد كثيرة حد يقدر ينكر.



هل تصدق يا أستاذ ... هو بالمناسبة ألم تطلب شيئا ؟؟ الله ألم تطلب شاي لازم والله، وعرفت أنه لن ينتظر إجابتي وبالفعل استمر في استرساله الغريب... هل تصدق أنني نمت يومها نوماً عميقاً... وياليتني ما نمت .... وهنا بدأت دموع الرجل تنساب وبدأ صوته يتهدج ، نمت ورأيت في نومي أن القيامة قد قامت ورأيتني عارياً من ملابسي ، وإذا بملائكة غلاظ شداد لا أستطيع أن أصفهم لك يجذبونني بعنف إلى النار وأنا أقاوم وأحاول أن أبحث عن حراسي ورجالي ولكن للأسف لم أجد أحداً معي يناصرني أو يدفع عني العذاب ، هل تصدق أنه أثناء جذب الملائكة لي رأيت زوجتي فقلت لها أنقذيني فقالت : نفسي نفسي ، فتعجبت !! وقلت لها: ألم تخبريني أنني من أهل الجنة ؟ فلم ترد ، حاولت أن أناقش الملائكة فقلت لهم لقد قدمت لمصر الكثير ستجدون أعمالي الباهرة في ميزان حسناتي فلم يرد علي أحد منهم ، وأثناء جذبي وجرّي نظرت إلى الجنة فوجدت قصراً عالياً شامخاً ليس له مثيل يظهر من خلال أسوار الجنة ، هل تصدق أنها أسوار تشف ما خلفها!! فقلت للملائكة هذا قصري خذوني إليه فقال أحد الملائكة إنه قصر صاحب الكشك فقلت ولماذا استحقه فقال الملاك لأنه لم يرضخ للظلم وقال كلمة حق عند سلطان جائر فهو شهيد ، فقلت وأين مكاني قالوا في الدرك الأسفل من النار ، وقتها حاولت التملص منهم وكنا قد اقتربنا من أبواب الجحيم ، وعندما هممت بدفع أحد الملائكة بيدي هذه إذا بلفحة بسيطة من حر جهنم تصيبني في ظهر يدي ، آه لو تعرف يا أستاذ مدى الألم الذي أصابني لا يوجد مثله مثيل على وجه الأرض ، مجرد لفحة بسيطة لا من النار ولكن من حر النار ، فقمت من نومي صارخاً فزعاً ونظرت إلى ظهر يدي فإذا به وكأنه احترق ورائحة الشواء تتصاعد منه وآه وآه وألف آه أسرعت بالاتصال تليفونياً بأحد رجالي فإذا به يخبرني أن صاحب الكشك مات من التعذيب ... مات لا وألف لا .... صرخت قائلاً .... أعيدوه للحياة .... أعيدوه للحياة أعيدوا له الكشك .... ولكن لا حياة لمن تنادي ... سبقتني يدي إلى النار ... كنت قد اندمجت مع حكاية الوزير حتى أنني لم ألحظ بكاءه ونشيجه ، وكان بدني كله مقشعراً وكأنني قنفذ تائه في صحراء , ونظرت حولي فإذا ببعض الجالسين المتطفلين ينظرون إلينا باهتمام بالغ ، وتدحرجت كلمات مني لا علاقة لها ببعض : يا باشا ربنا غفور رحيم أطلب منه المغفرة ... على فكرة أنا ممكن أطلب شاي .... هو الرجل مات فعلاً .... هي النار جامدة قوى .... ربنا يستر .... ربنا يستر ..... وبعد هنيهة عاد الهدوء للرجل واكتسى وجهه بملامح طيبة وظهرت في عينيه نظرة رجاء واستعطاف ثم قال ربنا غفور أليس كذلك ثم أردف إتفضل أشرب شاي
Powered By Blogger

أهلا بكم وسهلا

أهلا بكم وسهلا في هذه المدونة ، آمل أن تنال

إعجابكم ، وتسهم في تثقيفكم.




ساعة

ساعة

فنجال قهوة

فنجال قهوة